الحب الرومانسي مع عوامل أخرى يمكن أن يقيم زواجاً ناجحاً، لكنه بمفرده لا يقيم الزواج الناضج.
إنها الرغبة في اكتشاف قارة المستقبل المجهولة.
إنه الاندفاع إلى عالم غير محدد الملامح، لكنه بالتأكيد عالم جميل.
الرغبة في اكتشاف قارة المستقبل تجد نفسها أمام نموذج واضح للتعبير عن هذا المستقبل. إنه الزواج. فالشاب والفتاة يتطلعان إلى علاقة زواج أكثر مثالية من هذا الزواج المثالي الذي رأياه. إن علاقة الزواج بين الأب والأم مهما كان فيها من مشاكل، فهي علاقة مثالية في نظر الشاب أو الفتاة.
لقد كشف لنا كل من علم النفس والطب النفسي أن كل ما يحلم به الطفل سيكون له تأثير فعال على سلوكه في بقية حياته كلها.
وتحلم الفتاة بشاب مثالي يبني معها البيت الدافئ، لكن الأمر الواقع يتجسد في أن الفتاة تختار شبيهاً للأب بشكل أو بآخر.
وكافة شعوب الأرض تعرف الهيام الرومانسي في فترة المراهقة.
فليس هناك مجتمع دون قصة تقدس الهيام الرومانسي: عند العرب قيس وليلى، وعند الإنجليز ((روميو وجولييت))، وعند الروس قصة ((الحب الأول)) لتورجنيف، وعند الفرنسيين ((غادة الكاميليا)).
إذن فالهيام الرومانسي أمر مقدس في الذاكرة البشرية، ذلك الهيام الذي يصيب إثنين ـ رجلاً وامرأة ـ ويحس الإثنان أن كلاً منهما قد خلقه الله من أجل الآخر، وأن الحياة الزوجية بينهما لابد وأن تكون سعيدة للأبد. وعلى الرغم من ذلك فالطلاق ترتفع نسبته في غالبية المجتمعات تقريباً، بين الأمريكيين، وبين العرب، وبين الإنجليز، وبين الروس، وبين الفرنسيين، وبين أهل الشمال الأوروبي.
فهل ارتفاع نسبة الطلاق دليل على خطأ كل تلك المجتمعات في مسألة التفاؤل بقوة الحب الرومانسي؟
طبعاً لا.
ولكن على البشر أن يقيموا التوازن بين هذه الفكرة الرومانسية الجميلة التي تجمع بين الرجل والمرأة وبين المسؤوليات الواقعية في الزواج. وهذه مسؤولية الآباء والمعلمين ورجال الدين وكتاب الإذاعة والتليفزيون والسينما. لابد لهؤلاء جميعاً من أن يبرزوا أوجه الرضا والسعادة التي يشعر بها معظم الناس في الزواج، وكيف يحتاج الزواج ـ كعلاقة بين الرجل والمرأة ـ إلى النضج العاطفي الذي يكفل له النجاح.
ولابد لنا من أن نقرر الحقيقة الموضوعية القائلة إن الجنس عامل غلاب وحيوي في الزواج. بل إن غيابه عن العلاقة الزوجية يؤدي إلى تحطيم هذه العلاقة الزوجية. وهناك نسبة لا تكاد تذكر من علاقات الزواج التي تستمر دون ممارسة للجنس. ولكن الجنس نفسه لا يملك قوة سحرية يعالج بها الخلافات العميقة في الآراء والأفكار، ولا يقرب بين الشخصيات المتعارضة إلا لمدة ساعة أو أكثر قليلاً من الساعة، ثم تصحو الخلافات لتستمر في تدميرها للعلاقة الإنسانية بين الأفراد المختلفين في الطباع والأفكار.
إن الشباب يتشرب قيم وتقاليد المجتمع ويتلقى من كل مَن حوله كيفية التأقلم مع فكرة الزواج، ويتشرب كيفية التصرف إذا كان رجلاً، ويتعلم نظرياً ووجدانياً كيف يكون سلوك الرجل في الزواج.
وتتشرب الفتاة كيفية السلوك كزوجة من المجتمع الذي تحيا فيه. يحدث ذلك تلقائياً تماماً كما يتعلم الإنسان كيفية المواطنة.
إن الكائن البشري يتعرف على واجباته الاجتماعية والالتزامات الحقيقية التي سوف يقوم بها كزوج أو كزوجة، يحدث ذلك إذا كان الانسان فرداً في قبيلة أو فرداً في قرية أو مواطناً في مدينة، وكل إنسان يحب بشكل أو بآخر أن يمارس دوره بنجاح.
وهكذا نرى أن الزواج ليس مجرد ارتباط جاء نتيجة علاقة رومانسية بين الرجل والمرأة، ولكنه علاقة بين رجل وامرأة في إطار اجتماعي أكبر منهما معاً، وهو إطار المجتمع الذي يعيشان فيه.
وفي بعض مجتمعات الشرق وفي بعض من الطبقات الغنية في العالم تحاول العائلات أن تختار لابنها شريكة الحياة، أو تحاول العائلات أن تختار للابنة شريك الحياة، وهكذا يدخل الرجل إلى منزل فيه امرأة عليه أن يرتبط بها ولا يعرف منها سوى اسمها. وهكذا تدخل المرأة إلى منزل فيه رجل عليها أن ترتبط به ولا تعرف عنه سوى اسمه.
وتاريخنا الاجتماعي القريب يحكي لنا الكثير من التجارب التي عاشتها الأمهات عند الزواج بهذه الطريقة والتي عاشها الآباء عند الزواج بهذه الطريقة. إنها حياة أقرب إلى الاستسلام للقدر من ممارسة حق الاختيار الذي أباحه الإسلام لكل من الرجل والمرأة، لا في الزواج فقط ولكن في كل أوجه الحياة.
وما زلنا نسمع عن العائلات الثرية في العالم، والتي تصر على زواج بناتها من أشخاص معينين. والسبب هو رغبة الأهل في عدم خروج الثروة خارج نفوذ العائلة، أو عدم تسرب الثروة إلى يد طامع فيها. إن الكبار في مثل هذه الحالات يرون أن الزواج هو أمر أكبر من أن يتركوه للأبناء. ومخاطر هذا اللون من الزواج كبيرة. ومخاطر تنشئة الأبناء في مثل هذا الزواج كبيرة أيضاً. والفشل في مثل هذا اللون من الزواج، أمر يكاد يكون محتوماً في ظل عالم إنساني صار يؤمن بحرية الفرد في أن يقرر مصيره بنفسه. ولهذا فإننا لا نندهش عندما نرى كثيراً من مثل حالات هذا الزاج وقد وصلت إلى الطلاق.
ومن المشاهد التقليدية في المحاكم التي تنظر في قضايا الطلاق رؤية بعض من الرجال والنساء الذين أخطؤوا في فهم الزواج، وظنوا أنه يعني أن يكسب بعضهم من بعض. بعضهم ظن الزواج مجرد وسيلة للحصول على الحياة المرفهة، وبعضهم ظن أن الزواج يعني امتلاك جسد آخر عليه تلبية كل الاحتياجات الشهوانية، وبعضهم ظن أن الزواج فرصة للهرب من الحياة في بيت الأب أو الأم إلى حياة في بيت زوج أو زوجة مثل هؤلاء الناس لم ينضجوا عاطفياً، وهم يريدون من علاقة الزواج أن تكون علاقة عطاء من طرف واحد، ولذلك ينتهي بهم هذا التصور إلى الطلاق مع الإحساس العميق بالتعاسة. لقد فوجئوا بأن عليهم مسؤوليات فيها الكثير من المتاعب التي تنشأ من العيش تحت سقف واحد. إن الإنسان في حالة عدم النضج العاطفي يفاجأ بأنانية الشخص الآخر، وعدم صبره في بعض الأحيان، وقسوته في أحيان ثانية، وثقل ظله في أحيان ثالثة، وعدم إتقانه لبعض من مسؤولياته في أحيان رابعة.
إن الزواج يتطلب روحاً من الولاء والإخلاص المتبادل الذي يساعد فيه كل طرف الآخر على تخطي الأخطاء كبرت أو صغرت.
وفي أي زواج ناجح نجد كل طرف يقدم المساعدة، والراحة، والاندماج الجسدي، والإرواء لاحتياجات الآخر. ولا توجد قائمة معينة من الاحتياجات التي يمكن أن يقدمها الطرف لشريكه ليقوم بها، لكنها احتياجات محسوسة ومعنوية.
إن الزواج الناجح هو الذي يحسن فيه الزوج إسعاد زوجته بالتعاون معها، ويتبادل كل منهما المحبة والمودة والحنان، ويتكرر بينهما الانجذاب الجسدي بأسلوب يزداد عمقاً مع مر الأيام.
ومن المحزن أن نجد بعضاً من الكتاب يقللون من قيمة الزواج، رغم أنهم يعيشون قصص زواج ناجحة.
ومن الطبيعي أن يحاول كل زوج وزوجة ارتداء ملابس أنيقة داخل المنزل من أجل أن يراه شريك عمره وفي حالة مناسبة مليئة بالحيوية. إنها محاولة لإثارة إعجاب شريك العمر، وهي مسألة لا يطلبها الرجل من المرأة فقط، ولكن تطلبها المرأة من الرجل أيضاً.
ومن اللائق أن تحاول المرأة أن تغلق على نفسها باباً من عمل ((المكياج)) أو أثناء دهن وجهها ((بالكريم)) أو إعداد شعرها ((بالسيشوار))، ذلك أنه من المضحك أن يشكو الرجل من أن زوجته تبدو في المنزل وكأنها في حالة استعداد للخروج منه، ومن المضحك أن تشكو المرأة من إهمال زوجها لأناقته أثناء تواجده في المنزل.
وقد يندهش بعض القراء لمثل هذه الاقتراحات، لأن الواحد منهم يظن أن من حقه أن يحيا على مزاجه، ما دام قد تزوج، وأن من حقه أن يعيش حياة طبيعية لا تكلف فيها. ولنا أن نندهش وأن نسأل: ((هل تطلب لنفسك حياة غير لائقة بك؟ هل تفضل أن يراك شريك عمرك وأنت في صورة غير مريحة بالنسبة له))؟
إن الزوجين في الزواج الناجح لا يحبان بعضها فحسب، ولا يحترمان بعضهما فحسب، ولكن كلاً منهما يمثل الآخر، ويستكشف طموحاته ويساعده عليها. ويؤمن كلاهما بضرورة مساعدته للآخر.
إنك في حاجة إلى أن تعطي كثيراً وأن تفرح بما يمنحه لك شريك عمرك. ولكن تذكر أنه حتى أكثر الأشخاص نضوجاً إنما يحتاج إلى استقبال الحب والتفهم والتشجيع والتدعيم العاطفي، وهذا ما يوفره كل طرف للآخر في الزواج الناجح.
إن الزواج الناجح كالعمل الفني الذي يقوم بتأليفه إثنان من كبار العشاق للفن. إن كلاً منهما يؤدي دوره بإبداع وبإتقان ومحبة تثير الجاذبية والإبداع. ويحث كل منهما الآخر على أن يستكشف نواحي الإبداع في صناعة زواج ناجح، ويتشرب منهم الأطفال ذلك.
إن الزواج الناجح هو الذي يستمتع فيه كل طرف بالقدرة على امتلاك شريك عمر يرفع من روحه المعنوية ويؤازره وقت الصعاب.
وليس الزواج الناجح هو العلاقة الخالية من الخلافات. لا، إن الخلافات أمر طبيعي في الزواج وكذلك المشادات، ولكن لابد من جهد يبذله الطرفان لعدم جرح كرامة أحدهما من قبل الآخر، ولابد من القدرة على الصلح من بعد ذلك.
وبعض الأشخاص يظنون أنهم بالزواج قد ينتصرون على بعض من مشاكلهم الخاصة، مثال ذلك الشخص المدمن الذي يظن أنه بالزواج سيخرج من دائرة الإدمان. وكذلك الشخص المثير للمشاكل في مقر العمل والذي ينتقل من عمل إلى آخر، فقد يظن أن الزواج قد يعلمه الاستقرار. وكذلك الشخص الذي يقيم الكثير من العلاقات الطارئة مع الجنس الآخر ولا يستقر في علاقة واحدة، فقد يخدع نفسه بأن الزواج سيوفر له علاقة واحدة. وكل ذلك لون من الوهم العابث، فنادراً ما يحل الزواج مشكلة شخصية لها شكل مرضي في حياة الإنسان.
وقد يتساءل القارئ: ((وما رأيك في الزواج تحت سن العشرين))؟
أقول: ((غالباً ما يكون الزواج في مثل هذا العمر عرضة للانتهاء بالطلاق من بعد ذلك، لأن سرعة التغير النفسي والعاطفي تتتابع بإيقاع مرتفع في هذا العمر. وعدد قليل جداً من الزيجات في مثل هذا العمر هي التي تستقر وتنضج)).
إن الإحصائيات تؤكد أن الزواج في عمر المراهقة يتحطم بسرعة، ورغم ذلك فإن أعداداً لا بأس بها من الناس يظن أن الزواج أمر ضروري فور التخرج من المدرسة الثانوية أو أثناء الدراسة الجامعية، وتبدأ رحلة المشاكل التي ينكسر عليها الزواج الشاب.
إن النضج أهم كثيراً من السنوات التي تحدد عمر الإنسان. هذا ما يقوله الإنسان لنفسه عندما يعثر على زيجة واحدة ناجحة قد تمت في عمر تحت العشرين.