مواقف في حياة الأنبياء ....

اخترت لشهر رمضان هذا العام أن أكتب عن مواقف في حياة الأنبياء‏,‏

وحقيقة الأنبياء أنهم خير البشر‏,‏ ولكنهم في نهاية الأمر بشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويحبون ويكرهون ويعيشون ويموتون‏.‏

لا يختارون أنفسهم للرسالة‏,‏ ولا يصلون إليها نتيجة كسب وقصد وجهد أو اختيار‏,‏ إنما يختارهم الله تعالي لعلمه السابق أنهم أنقي من فيه من أولاد آدم‏..‏ تستوي في ذلك عقولهم وقلوبهم‏,‏ بعدها يبعث إليهم رسالاته ويضيفهم الله إلي نفسه تشريفا وتكريما فيسميهم رسل الله‏.‏

وهم لا يخطئون فيما يرسلهم به الله‏,‏ إن لهم عصمة من نوع معين‏,‏
كما أن لهم معجزات من أنواع عديدة‏,‏
أما عصمة الأنبياء فتعني أنهم لايرتكبون خطيئة كبيرة ولا صغيرة لا قبل البعثة ولا بعدها‏.‏

إنما يحلقون في مستويات من الكمال لا يهبطون عنها‏,‏
وإذا كان الله تعالي يعاتب أنبياءه أحيانا فإنما يفعل ذلك وصولا بهم إلي مستويات لا حدود لها من الكمال‏.‏

ولما كان الأنبياء هم أكثر الناس معرفة بالله‏,‏ فإنهم يشعرون أنهم مقصرون في حق الله لأن الإنسان لو عبد ربه مئات السنين‏,‏ لما كان ذلك كافيا للشكر علي نعمة الله في نصف ساعة‏,‏
ولهذا يستغفر الأنبياء‏,‏ فهذه ذنوبهم وهذا استغفارهم‏.‏

وتختلف معجزات الأنبياء والرسل‏,‏ قال الله تعالي في سورة البقرة‏:‏
تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من كلم الله‏,‏ ورفع بعضهم درجات‏,‏ وآتينا عيسي بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس‏.‏

وقال الله تعالي في سورة الإسراء‏:‏ ولقد فضلنا بعض النبيين علي بعض وأتينا داود زبورا‏.‏

وبرغم اختلاف درجات الأنبياء عند الله تبارك وتعالي‏,‏ فإن المؤمنين مأمورون بالوقوف عند حد الأدب‏,‏ وعدم التفرقة بين أحد من رسله لا نفرق بين أحد من رسله‏.‏

ولقد مرت في حياة الأنبياء مواقف تستحق الوقوف أمامها وتدبر معانيها‏.‏

*** أحمد بهجت ***

موقف نوح

لا نعرف من مصادر موثوق بها كيف كان شكل الحياة حينما بدأت عبادة الأصنام في الأرض‏,‏

غير أننا نعرف قانونا عاما لا ينكسر عندما يبدأ الناس انحدارهم نحو الشرك‏.‏

ففي اللحظة التي يترك البشر عبادة الله إلي عبادة الأصنام تحتضر روح الجمال في الأرض‏,‏

ويعتلي القبح عرشه كسيد حاكم‏,‏ وينهزم الإنسان من الداخل‏,‏ وينتكس العقل البشري‏,‏

ويتبع ذلك أن يزيد ظلم الظالمين وذل المظلومين‏,‏

كما يزيد فقر الفقراء وغني الأغنياء‏,‏

ويتحول الوجود الإنساني كله إلي جحيم لا يطاق‏.‏

تنطبق هذه القوانين دائما عندما يعبد الناس غير الله سواء كان المعبود صنما من الحجارة‏,‏ أو عجلا من الذهب‏,‏

أو حاكما من الناس‏,‏ أو نظاما من الأنظمة‏,‏ أو مذهبا من المذاهب‏.‏

ذلك أن الضمان الوحيد للمساواة بين البشر يكمن في عبوديتهم جميعا لله‏,‏ وهناك علاقة وثيقة بين ذل الناس وفقرهم وعدم إيمانهم بالله وعدم تقواهم‏.‏

يقول تعالي:

ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون.

في هذا الجو أرسل الله تبارك وتعالي نوحا الي قومه برسالة تقول‏: يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره‏,‏ إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم‏.‏

تحرك قوم نوح في اتجاهين بعد دعوته ‏التي‏ لمست الدعوة قلوب الفقراء والبؤساء والضعفاء وانحنت علي جراحهم وآلامهم بالرحمة‏,‏

أما الأغنياء والكبراء والأقوياء والحكام فقد تأملوا الدعوة بعين الشك البارد‏,‏

ولما كانوا يستفيدون من بقاء الأوضاع علي ما هي عليه فقد بدءوا حربهم ضد نوح‏.‏

في البداية اتهموا نوحا بأنه بشر مثلهم فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا

وبرغم أن نوح لم يقل غير ذلك إلا أنهم استمروا علي رفض الدعوة لأن حاملها بشر‏.‏

قال تعالي:

ولقد أرسلنا نوحا الي قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم‏,

‏ فقال الملأ الذين كفروا من قومه مانراك إلا بشرا مثلنا‏,‏ وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي‏,‏ وما نري لكم علينا من فضل‏,‏ بل نظنكم كاذبين .

يلا يا عسل

ميرسى ليك جدا يا احمد